فصل: وقعة أجنادين وفتح بيسان والأردن وبيت المقدس.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.وقعة أجنادين وفتح بيسان والأردن وبيت المقدس.

لما انصرف أبو عبيدة وخالد إلى حمص بعد واقة مرج الروم نزل عمرو وشرحيبل على أهل بيسان فافتتحها وصالح أهل الأردن واجتمع عسكر الروم بأجنادين وغزة وبيسان وعليهم أرطبون من بطارقة الروم فسار عمرو وشرحبيل إليهم واستخلف على الأردن أبا الأعور السلمي وكان الأرطبون قد أنزل بالرملة جندا عظيما من الروم وبيت المقدس كذلك وبعث عمر وعلقمة بن حكيم الفراسي ومسرور بن العكي لقتال أهل بيت المقدس وبعث أبا أيوب المالكي إلى قتال أهل الرملة وكان معاوية محاصرا لأهل قيسارية فشغل جميعهم عنه ثم زحف عمرو إلى الأرطبون واقتتلوا كيوم اليرموك وأشد وانهزم أرطبون إلى بيت المقدس وأفرج له المسلمون الذين كانوا يحاصرونها حتى دخل ورجعوا إلى عمرو وقد نزل أجنادين وقد تقدم لنا ذكر هذه الوقعة قبل اليرموك على قول من جعلها قبلها وهذا على قول من جعلها بعدها ولما دخل أرطبون بيت المقدس فتح عمرو غزة وقيل كان فتحها في خلافة أبي بكر ثم فتح سبسطية وفيها قبر يحيى بن زكريا وفتح نابلس على الجزية ثم فتح مدينة لد ثم عمواس وبيت حبرين ويافا ورفح وسائر مدائن الأردن وبعث إلى الأرطبون فطلب أن يصالح كأهل الشام ويتولى العقد عمر وكتبوا إليه بذلك فسار عن المدينة واستخلف علي بن أبي طالب بعد أن عذله في مسيره فأبى وقد كان واعد أمراء الأجناد هنالك فلقيه يزيد ثم أبو عبيدة ثم خالد على الخيول عليهم الديباج والحرير فنزل ورماهم بالحجاز وقال: أتستقبلوني في هذا الزي؟ وإنما شبعتم منذ سنتين والله لو كان على رأس الماءين لاستبدلت بكم فقالوا: إنها بلا ثمن وإن علينا السلاح فسكت ودخل الجابية وجاءه أهل بيت المقدس وقد هرب أرطبون عنهم إلى مصر فصالحوه على الجزية وفتحوها له وكذلك أهل الرملة وولى علقمة بن حكيم على نصف فلسطين وأسكنه الرملة وعلقمة بن مجزز على النصف الآخر وأسكنه بيت المقدس وضم عمرا وشرحبيل إليه فلقياه بالجابية وركب عمر إلى بيت المقدس فدخلها وكشف عن الصخرة وأمر ببناء المسجد عليها وذلك سنة خمس عشرة وقيل سنة ست عشرة ولحق أرطبون بمصر مع من أبى الصلح من الروم حتى هلك في فتح مصر وقيل إنما لحق بالروم وهلك في بعض الصوائف ثم فرق عمر المطاء ودون الدوادين سنة خمس عشرة ورتب ذلك على السابقة.
ولما أعطى صفوان بن أمية والحرث بن هشام وسهيل بن عمرو أقل من غيرهم قالوا: لا والله لا يكون أحد أكرم منا: إنما أعطيت على سابقة الإسلام لا على الأحساب قالوا فنعم إذا وخرجوا إلى الشام فلم يزالوا مجاهدين حتى أصيبوا.
ولما وضع عمر الدواوين قال له علي وعبد الرحمن إبدأ بنفسك قال لا بل بعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الأقرب فالأقرب ورتب ذلك على مراتب ففرض خمسة آلاف ثم أربعة ثم ثلاثة ثم ألفين وخمسمائة ثم ألفين ثم ألفا واحدا ثم خمسمائة ثم ثلثمائة ثم مائتين وخمسين ثم مائتين وأعطى نساء النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف لكل واحدة وفضل عائشة بألفين وجعل النساء على مراتب فلأهل بدر خمسمائة ثم أربعمائة ثم ثلثمائة ثم مائتين والصبيان مائة مائة والمساكين جريبين في الشهر ولم يترك في بيت المال شيئا وسئل في ذلك فأبى وقال: هي فتنة لمن بعدي وسأل الصحابة في قوته من بيت المال فأذنوا له وسألوه في الزيادة على لسان حفصة ابنته متكتمين عنه فغضب وامتنع وسألها عن حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيشه وملبسه وفراشه فأخبرته بالكفاف من ذلك فقال والله لأضعن الفضول مواضعها ولأتبلغن بالترجية وإنما مثلي ومثل صاحبي كثلاثة سلكوا طريقا وتزود الأول فبلغ المنزل واتبعه الآخر مقتديا به كذلك ثم جاء الثالث بعدهما فإن اقتفى طريقهما وزادهما لحق بهما وإلا لم يبلغهما.
وفتحت في جمادى من هذه السنة تكريت لأهل الجزيرة كانوا قد اجتمعوا إلى المرزبان الذي كان بها وهم من الروم وإياد وتغلب والنمر ومعهم المشهارجة ليحموا أرض الجزيرة من ورائهم فسرح إليهم سعد بن أبي وقاص بأمر عمر كاتبه عبد الله بن المعتمر وعلى مقدمته ربعي بن الأفكل وعلى الخيل عرفجة بن هرثمة فحاصروهم أربعين يوما وداخلوا العرب الذين معهم فكانوا يطلعونهم على أحوال الروم ثم يئس الروم من أمرهم واعتزموا على ركوب السفن في دجلة للنجاة فبعث العرب بذلك إلى المسلمين وسألوهم الأمان فأجابوهم على أن يسلموا فأسلموا وواعدهم الثبات والتكبير وأن يأخذوا على الروم أبواب البحر مما يلي دجلة ففعلوا ولما سمع الروم التكبير من جهة البحر ظنوا أن المسلمين استداروا من هناك فخرجوا إلى الناحية التي فيها المسلمون فأخذتهم السيوف من الجهتين ولم يفلت إلا من أسلم من قبائل ربيعة من تغلب والنمر وإياد وقسمت الغنائم فكان للفارس ثلاثة آلاف درهم وللراجل ألف ويقال إن عبد الله بن المعتمر بعث ربعي بن الأفكل بعهد عمر إلى الموصل ونينوى وهما حصنان على دجلة من شرقيها وغربيها فسار في تغلب وإياد والنمر وسبقوه إلى الحصنين فأجابوا إلى الصلح وصاروا ذمة وقيل بل الذي فتح الموصل عتبة بن فرقد سنة عشرين وأنه ملك نينوى وهو الشرقي عنوة وصالحوا أهل الموصل وهو الغربي على الجزية وفتح معها جبل الأكراد وجميع أعمال الموصل وقيل إنما بعث عتبة بن فرقد عياض بن غنم عندما فتح الجزيرة على ما نذكره والله أعلم.